مع حلول موسم الحج أردت أن أنشر مايلى، علي افيد بعض إخواننا الحجاج، وهذا ماتيسر لي:
كيف تحج ؟
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين أما بعد :
فهذه مذكرة عن أحكام الحج والعمرة أردت نشرها رجاء أن ينتفع منها الإخوان . مضافاً إليها الأخطاء التي يقع فيها بعض الحجاج منقولا بنصّه من كلام العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
تعريف الحج: الحج لغة :القصد ويروى بفتح الحاء وكسرها والأشهر الفتح .
شرعا : هو التعبد لله بقصد مكة لأداء عبارة الطواف والسعي والوقوف بعرفة وسائر المناسك
حكمه : ركن من أركان الإسلام بالكتاب والسنة والإجماع .
الكتاب : قوله تعالى إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين .. إلى قوله ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإنه الله غني عن العالمين
السنة : ماروه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بني الإسلام على خمس شهادة أن لااله إلا الله وان محمد رسول الله واقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا وقد اجمع العلماء على فرضيته وان من أنكر وجوبه فهو كافر مرتد عن الإسلام
متى كان فرض الحج ؟ :
ذهب بعض أهل العلم إلى انه فرض في السنة السادسة لقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله الآية . فقد نزلت بإجماع المفسرين في السنة السادسة ورجح ابن القيم رحمه الله أن افتراض الحج كان سنة تسع أو عشر . والثاني اقرب (قول ابن القيم ) لان المراد بالآية الإتمام ـ إتمام الحج ـ أما افتراضه فالصحيح انه لم يكن إلا في السنة التاسعة أو العاشرة .
فضل الحج : ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل ؟ قال إيمان بالله ورسوله . قيل ثم ماذا ؟ قال : ثم جهاد في سبيل الله . قيل ثم ماذا ؟ قال : حج مبرور " والحج المبرور : هو الذي لا يخالطه إثم.
وقال الحسن رحمه الله : إن يرجع زاهدا في الدنيا راغب في الآخرة . وقد روي في حديث مرفوع بسند لابأس به : إن بره .. إطعام الطعام ولين الكلام وعن عائشة رضي الله عنها قالت : يارسول الله أترى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد ؟ قال : لكن أفضل الجهاد حج مبرور رواه البخاري ومسلم .
وعن عمرو بن العاص عند مسلم أما علمت أن الحج يهدم ماقبله
الحج يجب مرة واحدة : اجمع العلماء ــــ كما حكاه وابن المنذر وابن رشد وابن حزم النووي وابن قدامة ـــ على أن الحج لايجب في العمر إلا مرة واحدة إلا أن ينذره فيجب الوفاء بالنذر وما زاد فهو تطوع فعن أبي هريرة قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم " ياأيه الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فقال رجل : أكل عام يارسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا . ثم قال صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم الحديث رواه الشيخان. وفي حديث ابن عباس عند أبي داوود والنسائي والحاكم وصححه احمد .انه قال الحج مرة فمن زاد فهو تطوع
مسألة: هل يجب الحج على الفور أو على التراخي ؟ ذهب بعض أهل العلم إلى انه يجب على التراخي فيؤدى في أي وقت من العمر ولا يأثم من وجب عليه بتأخيره متى مااداه قبل الوفاة .
الدليل : أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخر الحج إلى سنة عشر وكان معه أزواجه وكثير من أصحابه مع أن إيجابه كان سنة ست أو تسع فلو كان واجبا على الفور لما أخره. والقول الثاني انه واجب على الفور واستدلوا بأدلة منها : حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من اراد الحج فليعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتكون الحاجة رواه احمد والبيهقي وابن ماجة . وعنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعجلوا الحج ـ يعني الفريضة ـ فإن أحدكم لايدري ما يعرض له رواه احمد والبيهقي .والقول الثاني أرجح لان تعليل القول الأول ودليله فيه نظر فنحن لا نوافق أن الحج فرض سنة ست وأما تأخير الرسول صلى الله عليه وسلم الحج من سنة تسع الى عشر فلأنه لازالت آثار الجاهلية موجودة فالنساء يطفن عراة والكفرة يدخلون الحرم والرسول أخر الحج لهذه العلة .
وأما من ترك الحج حتى مات ( تركه تهاونا ) فإنه يصدق عليه قوله تعالى ولله على الناس الحج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين فهو كفر بالله لكنه لايخرج من دائرة الإسلام أي الكفر اصغر وقد وردت آثار عن الصحابة أنهم قالوا: من مات ولم يحج فليس عليه أن يموت نصرانيا أو يهوديا.وعن عمر رضي الله عنه قال : اضربوا عليهم الجزية ماهم بمسلمين ماهم بمسلمين .
شروط وجوب الحج : هي خمسة :
1) الإسلام 2) العقل وهذان الشرطان للصحة لا للجزاء
3) البلوغ 4) الحرية وهذان شرطان للاجزاء لا لصحة
5) الاستطاعة: شرط الوجوب
بم تتحقق الاستطاعة ؟
تتحقق الاستطاعة بما ياتي : الأول : أن يكون المكلف صحيح البدن فإن عجز لشيخوخة أو مرض لايرجى شفاؤه لزمه أحجاج غيره إن كان له مال . ويأتي تفصيل هذا .
الثاني : أن تكون الطريق آمنه بحيث يأمن الحاج على نفسه وماله .
الثالث : أن يكون مالكا لزاد .
الرابع : أن يكون مالكا للراحلة لحديث انس رضي الله عنه قال : يارسول الله ما لسبيل ؟ قال : الزاد والراحلة " رواه الدار قطني وصححه .وقال ابن حجر الراجح إرساله " وأخرجه الترمذي من حديث ابن عمر وفي إسناده ضعيف وقال شيخ الإسلام ابن تيميه : هذه الأحاديث مسنده من طرق حسان ومرسله وموقوفة تدل على أن مناط الوجوب الزاد والراحلة وهكذا ذكر صاحب أضواء البيان.
الخامس : أن لايوجد ما يمنع الإنسان من الذهاب للحج كالحبس أو الخوف من سلطان جائر يمنع الناس منه .
مسألة حج الصبي : لايجب على الصبي الحج لكن إذا حج صح منه ولا يجزؤه عن حجة الإسلام و الدليل : حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة رفعت لرسول الله صبيا فقالت :ألهذا حج؟ قال نعم ولك اجر " رواه مسلم .وقال السائب بن يزيد حج بي مع الرسول صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين رواه البخاري. ولا يخلو الصبي إما أن يكون مميزا فيحرم بنفسه ويؤدي مناسك الحج بنفسه . وإما أن كان دون التمييز فيحرم عنه وليه ويلبى عنه ويطوف به ويسعى وويقف بعرفه ويرمى عنه . وإذا وقع في محظور من محظورات الإحرام فانه لافدية عليه على الصحيح من كلام العلماء وذلك لعدم أهليته ولعدم خطاب الشارع .
مسألة حج المرأة : يجب على المرأة الحج كما يجب على الرجل سواء بسواء إذا استوفت شرائط الوجوب التي تقدم ذكرها ويزاد عليها بالنسبة للمرأة أن يصحبها زوج أو محرم فعن ابن عباس رضي الله عنهما : قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لايخلون رجل بامرأة إلا ومعها محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل فقال : يارسول الله إن امرأتي خرجت حاجة واني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال : انطلق فحج مع امرأتك رواه البخاري ومسلم . واختار شيخ الإسلام ابن تيمية إذا وجدت النساء الثقات وأمنت الفتنه - كأن تكون كبيرة - فإنه لأبأس أن تحج .
فإن لم تجد المرأة المحرم فلا يجب عليها الحج .
مسألة : ولا يجب عليها استئذان زوجها في حج الفريضة وإنما يستحب لها أن تستأذنه فإن إذن لها خرجت وان لم يأذن لها خرجت بغير إذنه .والدليل:أن حق الله مقدم على حق المخلوق لقوله عليه الصلاة والسلام " اقضوا الله فالله أحق بالوفاء فإن كان حج النافلة فإنه لايجوز لها أن تحج إلا بإذنه .لما رواه الدار قطني عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " في امرأة كان لها زوج ولها مال فلا يأذن لها في الخروج فقال : ليس لها أن تنطلق إلا بأذن زوجها
مسألة من مات وعليه حج :
من مات وعليه حجة الإسلام أو حجة كان نذرها وجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من ماله كما أن عليه قضاء ديونه.الدليل : حديث ابن عباس رضي الله عنهما : إن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت افاحج عنها فقال : نعم حجي عنها ارايت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته . اقضوا الله فالله أحق بالوفاء رواه البخاري
مسألة الحج عن الغير : من استطاع السبيل إلى الحج ثم عجز عنه بمرض أو شيخوخة لزمه أحجاج غيره عنه لأنه ايس من الحج بنفسه لعجزه فينيب غيره .الدليل : حديث الفضل بن عباس : أن امرأة من خثعم قالت : يارسول الله : إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة افأحج عنه قال: نعم "فائدة : وفي الحديث دليل على انه يجوز أن تحج المرأة عن الرجل والعكس .
شرط الحج عن الغير :
يشترط فيمن يحج عن غيره أن يكون قد سبق له الحج عن نفسه لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجل يقول : لبيك عن شبرمة ، فقال : أحججت عن نفسك ؟ قال : لا ،قال : فحج عن نفسك ثم حج عن شبرمة رواه أبو داوود وابن ماجه وصححه احمد والبيهقي.
كيف تحج حجا مبرورا:
أولاً: معنى الحج المبرور
جاء في بعض الأحاديث وصف الحج التام بالحج المبرور؛ فقال- صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه البخاري:"والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
ومن أجل ذلك فإننا بحاجةٍ- أيها الحاج- إلى أن نتعرَّف على علامات الحج المبرور، وما هي الأمور التي يتحقَّق بها بر الحج حتى نقوم بها؟ وما الأمور التي تنافي ذلك حتى نجتنبها؟ فالناس يتفاوتون في حَجِّهم تفاوتًا عظيمًا على حسب قربهم وبعدهم من هذه الصفات والعلامات.
وقد ذكر العلماء أقوالاً في معنى الحج المبرور، وكلها تنتهي إلى تقارب في المعنى، بل إنها لا تخرج عن معنى واحد وهو: "أنه الحج الذي وفيت أحكامه، ووقع موقعًا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل".
فالحج المبرور هو ما استوفى أحكام الحج، وتعمق أثره في نفس الحاج على الوجه الأكمل، وليس الأمر في الوصول إلى الكمال بل مناشدة الكمال، وكل مَن يبغي الرقي سيصل حتمًا.
ثانيًا: كيف يكون حجك مبرورًا؟
1- قبول الأعمال:
إن ميزان قبول الأعمال عند الله ميزان خاص وسهل وميسَّر؛ هو إخلاص العمل لله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا وابتُغِيَ به وجْهُه؛ فالحاج وهو في هذا الموقف أولى الناس بأن يفتش في نفسه، وأن ةيتفقَّد نيته من أية نية تُضاد الإخلاص، وتُحبط العمل، وتُذهب الأجر والثواب، كالرياء والسمعة، وحب المدح والثناء والمكانة عند الخلْق؛ فكما عند ابن ماجة أن نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم "حج على رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم، ثم قال: "اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة".
2- موافقة السنة:
الحرص على أن تكون أعمال الحج موافقةً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم تعني أن نتعلم مناسك الحج وواجباته وسننه، وصفة حجه عليه الصلاة والسلام؛ فهو القائل كما في حديث جابر رضي الله عنه: "لتأخذوا مناسككم؛ فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه" (رواه مسلم).
3- تهيئة النفس:
تهيئة النفس قبل الحج تعين الحاج على أن يكون حجه مبرورًا، وهذه خطوات عملية تساعد في التهيئة النفسية: "التوبة النصوح، واختيار النفقة الحلال، والرفقة الصالحة، وأن يتحلل من حقوق العباد، والمبادرة بتوصية أهله، وسكينة النفس".
ثالثًا: كيف تتأكد أن حجك مبرور؟
من أجل أن تتأكد أن حجك مبرور تأكد من وجود هذه العلامات:
أ- أدائك لخصال البر:
من طيب المعشر، وحسن الخلق، وبذل المعروف، والإحسان إلى الناس بشتى وجوه الإحسان، من كلمةٍ طيبة، أو إنفاقٍ للمال، أو تعليمٍ لجاهل، أو إرشادٍ لضال، أو أمرٍ بمعروف أو نهيٍ عن منكر، وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "إن البر شيء هين، وجه طليق وكلام لين".
ومن أجمع خصال البر التي يحتاج إليها الحاج- كما يقول ابن رجب- ما وصَّى به النبي صلى الله عليه وسلم أبا جُرَيٍّ الهجيمي حين قال له: "لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تعطيَ صلة الحبل، ولو أن تعطيَ شسع النعل، ولو أن تنزع من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تنحي الشيء من طريق الناس يؤذيهم، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منطلق، ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه، ولو أن تؤنس الوحشان في الأرض" (رواه أحمد).
ب- استكثارك من الطاعات:
ومما يتحقَّق به بر الحج الاستكثار من أنواع الطاعات، والبُعد عن المعاصي والمخالفات؛ فقد حثَّ الله عباده على التزود من الصالحات وقت أداء النسك؛ فقال سبحانه في آيات الحج: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (البقرة: من الآية 197)، ونهاهم عن الرفث والفسوق والجدال في الحج، فقال عز وجل: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (البقرة: من الآية 197).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حجَّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" (متفق عليه).
والرفث هو الجماع، وما دونه من فاحش القول وبذيئه، وأما الفسوق فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد من السلف أنه المعاصي بجميع أنواعها، والجدال هو المِراء بغير حق، فينبغي إذا أردت أن يكون حجك مبرورًا أن تلزم طاعة ربك؛ وذلك بالمحافظة على الفرائض، وشغل الوقت بكل ما يقربك من الله، من ذكر ودعاء وقراءة قرآن وغير ذلك من أبواب الخير، وأن تحفظ حدود الله ومحارمه، فتصون سمعك وبصرك ولسانك عما لا يحل لك.
ج- تعرفك على أسرار الحج:
ومنها أن يستشعر الحاج حِكم الحج وأسراره، وفرقٌ كبير بين من يحج وهو يستحضر أنه يؤدي شعيرة من شعائر الله، وأنه في هذه المواقف على خطى الأنبياء والعلماء والصالحين، فيذكر بحجه يوم يجتمع العباد للعرض على الله، وبين من يحج على سبيل العادة، أو للسياحة والنزهة، أو لمجرد أن يسقط الفرض عنه، أو ليقال " الحاج فلان".
وكما قيل: "الحج عبارة عن مجموعة من المناسك والشعائر، وجملة من الأفعال والأقوال؛ تنتظم جميعها في أطر زمنية ومكانية محددة؛ لتجسِّد بمجموعها معنى تعبديًّا، وعملاً تربويًّا يساهم في بناء شخصية المسلم، ويعمل على إعادة تنظيمها، وتصحيح مسيرتها في الحياة، ويسدد وجهتها ومسارها إلى الله".
ثم يستشعر الحاج التلبية التي هي هتاف الروح: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْك.. لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْك.. إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْك، لاَ شَرِيكَ لَك لَبَّيْك".. نداء تطلقه القلوب المستجيبة لنداء الله؛ تعلن عن ولائها، وصدق توجهها، متحدِّية المتاعب والمشاق؛ حبًّا لله، وشوقًا إليه.
وكأن القلب يقول: ها أنا قد حضرتُ بين يَدَيْكَ، وقد تَركتُ كلَّ ما خوّلتني ورائي من الأهل، والمالِ، والجاهِ، والمتعِ واللّذّاتِ؛ سَعْيًا لِرِضاك، ووفُودًا عليكَ، وَشَوْقًا إليكَ،فتقبّلْني اللّهمَّ بأحْسنِ قبولِكَ، وأجِبْ دُعائي، وأكرِمْ وَفادَتي عليكَ، وأجِرْ فراري من الذّنبِ إليكَ.
ثم يتأكد الحاج أن الحج رحلة الروح والبدن، وهجرة الإنسان إلى الله، ووفادته عليه، وهو هجر للأهل، والمال، والملذات، واحتمالٌ للمتاعب والمشاق، والعناء؛استجابة لندائه: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (الحج: 27).
فالحج عبادة تشترك في أدائها عناصر متعددة يشترك فيها الجسم والمال، وتساهم فيها النفس والمشاعر؛ لذا كان الحج عبادة مالية بدنية؛ يتعبّد بها الإنسان عن طريق بذل المال والجهد، واحتمال المشاق والمتاعب؛ قربةً إلى الله سبحانه، وإظهارًا للعبودية الخالصة له، وتأكيدًا للتحرّر من كل قوّة عداه سبحانه.
د- إدراكك منافع الحج العصرية:
{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (الحج).
الحج؛ ذلك المؤتمر الإسلامي الكبير، والمظاهرة الإيمانية الرائعة التي تشترك فيها صنوف متعدِّدة من الأجناس، والفئات والطبقات، والقوميّات على موعد واحد، وفي أرض واحدة، يردِّدون هتافًا واحدًا، ويمارسون عملاً واحدًا، ويتِّجهون إلى غاية واحدة، وهي الإعلان عن العبودية والولاء لله وحده.
والحج كما صرّح القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة إلى جانب كونه عبادة وتقرُّبًا إلى الله سبحانه، فإنّ فيه منافع اجتماعية، وفوائد ثقافية، واقتصادية، وسياسية، وتربوية، تساهم في بناء المجتمع الإسلامي، وتزيد في وعيه وتوجيهه، وتساهم في حل مشاكله، وتنشيط مسيرته.
ففي الحج يشهد المسلمون أروع مظاهر المساواة، والتواضع، والأخوة الإنسانية، بإلغاء الفوارق، والأزياء، وخلع أسباب الظهور الاجتماعي، والظهور باللباس العبادي الموحّد (لباس الإحرام)؛ حيث يحسّ الجميع بوحدة النوع الإنساني وبالأخوة والمساواة.
وفي الحج يستشعر المسلمون وحدة الأرض، ووحدة البشر، ويمثلون عملية إسقاط الحدود التي صنعتها الأنانيات والأطماع البشرية الإقليمية، والقومية، والعنصرية.
والحج بما أنه تجمع بشري ضخم، يستقطب الملايين من المسلمين من مختلف الأقطار والأمصار؛ فهو يُنتج حركة بشرية هائلة؛ يتبعها تحرك اقتصادي ومالي ضخم; عن طريق النقل، والاستهلاك، وحمل البضائع، وتبادل النقود، وشراء الأضاحي والحاجيات ومستلزمات الحج والإقامة والسفر; فينتفع العديد من المسلمين، ويشهد مجتمعهم حركة اقتصادية ومالية نشطة.
هـ- عودك الحميد باستقامة دائمة:
من علامات الحج المبرور أن يستقيم المسلم بعد حجه فليزم طاعة ربه، ويكون بعد الحج أحسن حالاً منه قبله؛ فإن ذلك من علامات قبول الطاعة، قال بعض السلف: "علامة بر الحج أن يزداد بعده خيرًا، ولا يعاود المعاصي بعد رجوعه"، وقال الحسن البصري رحمه الله: "الحج المبرور أن يرجع زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة".
وذلك لما في الحج من إعداد وتربية لسلوك الفرد ونوازعه؛ ففي الحج يتعوّد الحاج الصبر، وتحمّل المشاق، وحسن الخلق، من اللطف، والتواضع، واللِّين، وحسن المحادثة، والكرم، والتعاطف، والامتناع عن الكذب، والغيبة، والخصومة والتكبّر... إلخ.
وفيه يتعوّد الألفة، والتعارف عن طريق السفر والاختلاط، وتنمو لديه الروح الاجتماعية، وتتهذَّب ملكاته الأخلاقية، عن طريق هذه الممارسة التربوية، والتفاعل البشري الرائع، الذي يشهده في الحج، بأرقى درجات الالتزام، والاستقامة السلوكية.
وهكذا يعود الحاج كيوم ولدته أمه، ليبدأ صفحة جديدة في حياته، من النقاء والطهارة والصفاء.. إنه يحمل في نفسه طاقة هائلة، ليخطوَ خطوات النجاح في حياته مع ربه، ونفسه والناس.
وإليك أخي الحاج هذه المواقع المفيدة جدا تعلم الحج بطريقة أسهل، حتى تقوم بحجك على اكمل وجه:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[url=https://www.youtube.com/watch?v=sXGgeaRBFKM&feature=related ][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [/url]
أسأل الله أن يجعل حجك مبرورًا، وذنبك مغفورًا، وسعيك مشكورًا.
أرجو ممن قرا هذا الموضوع ، أن يدعو لي ولصاحب هذه الكلمات.
كيف تحج ؟
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين أما بعد :
فهذه مذكرة عن أحكام الحج والعمرة أردت نشرها رجاء أن ينتفع منها الإخوان . مضافاً إليها الأخطاء التي يقع فيها بعض الحجاج منقولا بنصّه من كلام العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
تعريف الحج: الحج لغة :القصد ويروى بفتح الحاء وكسرها والأشهر الفتح .
شرعا : هو التعبد لله بقصد مكة لأداء عبارة الطواف والسعي والوقوف بعرفة وسائر المناسك
حكمه : ركن من أركان الإسلام بالكتاب والسنة والإجماع .
الكتاب : قوله تعالى إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين .. إلى قوله ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإنه الله غني عن العالمين
السنة : ماروه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بني الإسلام على خمس شهادة أن لااله إلا الله وان محمد رسول الله واقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا وقد اجمع العلماء على فرضيته وان من أنكر وجوبه فهو كافر مرتد عن الإسلام
متى كان فرض الحج ؟ :
ذهب بعض أهل العلم إلى انه فرض في السنة السادسة لقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله الآية . فقد نزلت بإجماع المفسرين في السنة السادسة ورجح ابن القيم رحمه الله أن افتراض الحج كان سنة تسع أو عشر . والثاني اقرب (قول ابن القيم ) لان المراد بالآية الإتمام ـ إتمام الحج ـ أما افتراضه فالصحيح انه لم يكن إلا في السنة التاسعة أو العاشرة .
فضل الحج : ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل ؟ قال إيمان بالله ورسوله . قيل ثم ماذا ؟ قال : ثم جهاد في سبيل الله . قيل ثم ماذا ؟ قال : حج مبرور " والحج المبرور : هو الذي لا يخالطه إثم.
وقال الحسن رحمه الله : إن يرجع زاهدا في الدنيا راغب في الآخرة . وقد روي في حديث مرفوع بسند لابأس به : إن بره .. إطعام الطعام ولين الكلام وعن عائشة رضي الله عنها قالت : يارسول الله أترى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد ؟ قال : لكن أفضل الجهاد حج مبرور رواه البخاري ومسلم .
وعن عمرو بن العاص عند مسلم أما علمت أن الحج يهدم ماقبله
الحج يجب مرة واحدة : اجمع العلماء ــــ كما حكاه وابن المنذر وابن رشد وابن حزم النووي وابن قدامة ـــ على أن الحج لايجب في العمر إلا مرة واحدة إلا أن ينذره فيجب الوفاء بالنذر وما زاد فهو تطوع فعن أبي هريرة قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم " ياأيه الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فقال رجل : أكل عام يارسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا . ثم قال صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم الحديث رواه الشيخان. وفي حديث ابن عباس عند أبي داوود والنسائي والحاكم وصححه احمد .انه قال الحج مرة فمن زاد فهو تطوع
مسألة: هل يجب الحج على الفور أو على التراخي ؟ ذهب بعض أهل العلم إلى انه يجب على التراخي فيؤدى في أي وقت من العمر ولا يأثم من وجب عليه بتأخيره متى مااداه قبل الوفاة .
الدليل : أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخر الحج إلى سنة عشر وكان معه أزواجه وكثير من أصحابه مع أن إيجابه كان سنة ست أو تسع فلو كان واجبا على الفور لما أخره. والقول الثاني انه واجب على الفور واستدلوا بأدلة منها : حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من اراد الحج فليعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتكون الحاجة رواه احمد والبيهقي وابن ماجة . وعنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعجلوا الحج ـ يعني الفريضة ـ فإن أحدكم لايدري ما يعرض له رواه احمد والبيهقي .والقول الثاني أرجح لان تعليل القول الأول ودليله فيه نظر فنحن لا نوافق أن الحج فرض سنة ست وأما تأخير الرسول صلى الله عليه وسلم الحج من سنة تسع الى عشر فلأنه لازالت آثار الجاهلية موجودة فالنساء يطفن عراة والكفرة يدخلون الحرم والرسول أخر الحج لهذه العلة .
وأما من ترك الحج حتى مات ( تركه تهاونا ) فإنه يصدق عليه قوله تعالى ولله على الناس الحج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين فهو كفر بالله لكنه لايخرج من دائرة الإسلام أي الكفر اصغر وقد وردت آثار عن الصحابة أنهم قالوا: من مات ولم يحج فليس عليه أن يموت نصرانيا أو يهوديا.وعن عمر رضي الله عنه قال : اضربوا عليهم الجزية ماهم بمسلمين ماهم بمسلمين .
شروط وجوب الحج : هي خمسة :
1) الإسلام 2) العقل وهذان الشرطان للصحة لا للجزاء
3) البلوغ 4) الحرية وهذان شرطان للاجزاء لا لصحة
5) الاستطاعة: شرط الوجوب
بم تتحقق الاستطاعة ؟
تتحقق الاستطاعة بما ياتي : الأول : أن يكون المكلف صحيح البدن فإن عجز لشيخوخة أو مرض لايرجى شفاؤه لزمه أحجاج غيره إن كان له مال . ويأتي تفصيل هذا .
الثاني : أن تكون الطريق آمنه بحيث يأمن الحاج على نفسه وماله .
الثالث : أن يكون مالكا لزاد .
الرابع : أن يكون مالكا للراحلة لحديث انس رضي الله عنه قال : يارسول الله ما لسبيل ؟ قال : الزاد والراحلة " رواه الدار قطني وصححه .وقال ابن حجر الراجح إرساله " وأخرجه الترمذي من حديث ابن عمر وفي إسناده ضعيف وقال شيخ الإسلام ابن تيميه : هذه الأحاديث مسنده من طرق حسان ومرسله وموقوفة تدل على أن مناط الوجوب الزاد والراحلة وهكذا ذكر صاحب أضواء البيان.
الخامس : أن لايوجد ما يمنع الإنسان من الذهاب للحج كالحبس أو الخوف من سلطان جائر يمنع الناس منه .
مسألة حج الصبي : لايجب على الصبي الحج لكن إذا حج صح منه ولا يجزؤه عن حجة الإسلام و الدليل : حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة رفعت لرسول الله صبيا فقالت :ألهذا حج؟ قال نعم ولك اجر " رواه مسلم .وقال السائب بن يزيد حج بي مع الرسول صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين رواه البخاري. ولا يخلو الصبي إما أن يكون مميزا فيحرم بنفسه ويؤدي مناسك الحج بنفسه . وإما أن كان دون التمييز فيحرم عنه وليه ويلبى عنه ويطوف به ويسعى وويقف بعرفه ويرمى عنه . وإذا وقع في محظور من محظورات الإحرام فانه لافدية عليه على الصحيح من كلام العلماء وذلك لعدم أهليته ولعدم خطاب الشارع .
مسألة حج المرأة : يجب على المرأة الحج كما يجب على الرجل سواء بسواء إذا استوفت شرائط الوجوب التي تقدم ذكرها ويزاد عليها بالنسبة للمرأة أن يصحبها زوج أو محرم فعن ابن عباس رضي الله عنهما : قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لايخلون رجل بامرأة إلا ومعها محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل فقال : يارسول الله إن امرأتي خرجت حاجة واني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال : انطلق فحج مع امرأتك رواه البخاري ومسلم . واختار شيخ الإسلام ابن تيمية إذا وجدت النساء الثقات وأمنت الفتنه - كأن تكون كبيرة - فإنه لأبأس أن تحج .
فإن لم تجد المرأة المحرم فلا يجب عليها الحج .
مسألة : ولا يجب عليها استئذان زوجها في حج الفريضة وإنما يستحب لها أن تستأذنه فإن إذن لها خرجت وان لم يأذن لها خرجت بغير إذنه .والدليل:أن حق الله مقدم على حق المخلوق لقوله عليه الصلاة والسلام " اقضوا الله فالله أحق بالوفاء فإن كان حج النافلة فإنه لايجوز لها أن تحج إلا بإذنه .لما رواه الدار قطني عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " في امرأة كان لها زوج ولها مال فلا يأذن لها في الخروج فقال : ليس لها أن تنطلق إلا بأذن زوجها
مسألة من مات وعليه حج :
من مات وعليه حجة الإسلام أو حجة كان نذرها وجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من ماله كما أن عليه قضاء ديونه.الدليل : حديث ابن عباس رضي الله عنهما : إن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت افاحج عنها فقال : نعم حجي عنها ارايت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته . اقضوا الله فالله أحق بالوفاء رواه البخاري
مسألة الحج عن الغير : من استطاع السبيل إلى الحج ثم عجز عنه بمرض أو شيخوخة لزمه أحجاج غيره عنه لأنه ايس من الحج بنفسه لعجزه فينيب غيره .الدليل : حديث الفضل بن عباس : أن امرأة من خثعم قالت : يارسول الله : إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة افأحج عنه قال: نعم "فائدة : وفي الحديث دليل على انه يجوز أن تحج المرأة عن الرجل والعكس .
شرط الحج عن الغير :
يشترط فيمن يحج عن غيره أن يكون قد سبق له الحج عن نفسه لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجل يقول : لبيك عن شبرمة ، فقال : أحججت عن نفسك ؟ قال : لا ،قال : فحج عن نفسك ثم حج عن شبرمة رواه أبو داوود وابن ماجه وصححه احمد والبيهقي.
كيف تحج حجا مبرورا:
أولاً: معنى الحج المبرور
جاء في بعض الأحاديث وصف الحج التام بالحج المبرور؛ فقال- صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه البخاري:"والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
ومن أجل ذلك فإننا بحاجةٍ- أيها الحاج- إلى أن نتعرَّف على علامات الحج المبرور، وما هي الأمور التي يتحقَّق بها بر الحج حتى نقوم بها؟ وما الأمور التي تنافي ذلك حتى نجتنبها؟ فالناس يتفاوتون في حَجِّهم تفاوتًا عظيمًا على حسب قربهم وبعدهم من هذه الصفات والعلامات.
وقد ذكر العلماء أقوالاً في معنى الحج المبرور، وكلها تنتهي إلى تقارب في المعنى، بل إنها لا تخرج عن معنى واحد وهو: "أنه الحج الذي وفيت أحكامه، ووقع موقعًا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل".
فالحج المبرور هو ما استوفى أحكام الحج، وتعمق أثره في نفس الحاج على الوجه الأكمل، وليس الأمر في الوصول إلى الكمال بل مناشدة الكمال، وكل مَن يبغي الرقي سيصل حتمًا.
ثانيًا: كيف يكون حجك مبرورًا؟
1- قبول الأعمال:
إن ميزان قبول الأعمال عند الله ميزان خاص وسهل وميسَّر؛ هو إخلاص العمل لله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا وابتُغِيَ به وجْهُه؛ فالحاج وهو في هذا الموقف أولى الناس بأن يفتش في نفسه، وأن ةيتفقَّد نيته من أية نية تُضاد الإخلاص، وتُحبط العمل، وتُذهب الأجر والثواب، كالرياء والسمعة، وحب المدح والثناء والمكانة عند الخلْق؛ فكما عند ابن ماجة أن نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم "حج على رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم، ثم قال: "اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة".
2- موافقة السنة:
الحرص على أن تكون أعمال الحج موافقةً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم تعني أن نتعلم مناسك الحج وواجباته وسننه، وصفة حجه عليه الصلاة والسلام؛ فهو القائل كما في حديث جابر رضي الله عنه: "لتأخذوا مناسككم؛ فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه" (رواه مسلم).
3- تهيئة النفس:
تهيئة النفس قبل الحج تعين الحاج على أن يكون حجه مبرورًا، وهذه خطوات عملية تساعد في التهيئة النفسية: "التوبة النصوح، واختيار النفقة الحلال، والرفقة الصالحة، وأن يتحلل من حقوق العباد، والمبادرة بتوصية أهله، وسكينة النفس".
ثالثًا: كيف تتأكد أن حجك مبرور؟
من أجل أن تتأكد أن حجك مبرور تأكد من وجود هذه العلامات:
أ- أدائك لخصال البر:
من طيب المعشر، وحسن الخلق، وبذل المعروف، والإحسان إلى الناس بشتى وجوه الإحسان، من كلمةٍ طيبة، أو إنفاقٍ للمال، أو تعليمٍ لجاهل، أو إرشادٍ لضال، أو أمرٍ بمعروف أو نهيٍ عن منكر، وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "إن البر شيء هين، وجه طليق وكلام لين".
ومن أجمع خصال البر التي يحتاج إليها الحاج- كما يقول ابن رجب- ما وصَّى به النبي صلى الله عليه وسلم أبا جُرَيٍّ الهجيمي حين قال له: "لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تعطيَ صلة الحبل، ولو أن تعطيَ شسع النعل، ولو أن تنزع من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تنحي الشيء من طريق الناس يؤذيهم، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منطلق، ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه، ولو أن تؤنس الوحشان في الأرض" (رواه أحمد).
ب- استكثارك من الطاعات:
ومما يتحقَّق به بر الحج الاستكثار من أنواع الطاعات، والبُعد عن المعاصي والمخالفات؛ فقد حثَّ الله عباده على التزود من الصالحات وقت أداء النسك؛ فقال سبحانه في آيات الحج: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (البقرة: من الآية 197)، ونهاهم عن الرفث والفسوق والجدال في الحج، فقال عز وجل: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (البقرة: من الآية 197).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حجَّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" (متفق عليه).
والرفث هو الجماع، وما دونه من فاحش القول وبذيئه، وأما الفسوق فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد من السلف أنه المعاصي بجميع أنواعها، والجدال هو المِراء بغير حق، فينبغي إذا أردت أن يكون حجك مبرورًا أن تلزم طاعة ربك؛ وذلك بالمحافظة على الفرائض، وشغل الوقت بكل ما يقربك من الله، من ذكر ودعاء وقراءة قرآن وغير ذلك من أبواب الخير، وأن تحفظ حدود الله ومحارمه، فتصون سمعك وبصرك ولسانك عما لا يحل لك.
ج- تعرفك على أسرار الحج:
ومنها أن يستشعر الحاج حِكم الحج وأسراره، وفرقٌ كبير بين من يحج وهو يستحضر أنه يؤدي شعيرة من شعائر الله، وأنه في هذه المواقف على خطى الأنبياء والعلماء والصالحين، فيذكر بحجه يوم يجتمع العباد للعرض على الله، وبين من يحج على سبيل العادة، أو للسياحة والنزهة، أو لمجرد أن يسقط الفرض عنه، أو ليقال " الحاج فلان".
وكما قيل: "الحج عبارة عن مجموعة من المناسك والشعائر، وجملة من الأفعال والأقوال؛ تنتظم جميعها في أطر زمنية ومكانية محددة؛ لتجسِّد بمجموعها معنى تعبديًّا، وعملاً تربويًّا يساهم في بناء شخصية المسلم، ويعمل على إعادة تنظيمها، وتصحيح مسيرتها في الحياة، ويسدد وجهتها ومسارها إلى الله".
ثم يستشعر الحاج التلبية التي هي هتاف الروح: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْك.. لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْك.. إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْك، لاَ شَرِيكَ لَك لَبَّيْك".. نداء تطلقه القلوب المستجيبة لنداء الله؛ تعلن عن ولائها، وصدق توجهها، متحدِّية المتاعب والمشاق؛ حبًّا لله، وشوقًا إليه.
وكأن القلب يقول: ها أنا قد حضرتُ بين يَدَيْكَ، وقد تَركتُ كلَّ ما خوّلتني ورائي من الأهل، والمالِ، والجاهِ، والمتعِ واللّذّاتِ؛ سَعْيًا لِرِضاك، ووفُودًا عليكَ، وَشَوْقًا إليكَ،فتقبّلْني اللّهمَّ بأحْسنِ قبولِكَ، وأجِبْ دُعائي، وأكرِمْ وَفادَتي عليكَ، وأجِرْ فراري من الذّنبِ إليكَ.
ثم يتأكد الحاج أن الحج رحلة الروح والبدن، وهجرة الإنسان إلى الله، ووفادته عليه، وهو هجر للأهل، والمال، والملذات، واحتمالٌ للمتاعب والمشاق، والعناء؛استجابة لندائه: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (الحج: 27).
فالحج عبادة تشترك في أدائها عناصر متعددة يشترك فيها الجسم والمال، وتساهم فيها النفس والمشاعر؛ لذا كان الحج عبادة مالية بدنية؛ يتعبّد بها الإنسان عن طريق بذل المال والجهد، واحتمال المشاق والمتاعب؛ قربةً إلى الله سبحانه، وإظهارًا للعبودية الخالصة له، وتأكيدًا للتحرّر من كل قوّة عداه سبحانه.
د- إدراكك منافع الحج العصرية:
{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (الحج).
الحج؛ ذلك المؤتمر الإسلامي الكبير، والمظاهرة الإيمانية الرائعة التي تشترك فيها صنوف متعدِّدة من الأجناس، والفئات والطبقات، والقوميّات على موعد واحد، وفي أرض واحدة، يردِّدون هتافًا واحدًا، ويمارسون عملاً واحدًا، ويتِّجهون إلى غاية واحدة، وهي الإعلان عن العبودية والولاء لله وحده.
والحج كما صرّح القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة إلى جانب كونه عبادة وتقرُّبًا إلى الله سبحانه، فإنّ فيه منافع اجتماعية، وفوائد ثقافية، واقتصادية، وسياسية، وتربوية، تساهم في بناء المجتمع الإسلامي، وتزيد في وعيه وتوجيهه، وتساهم في حل مشاكله، وتنشيط مسيرته.
ففي الحج يشهد المسلمون أروع مظاهر المساواة، والتواضع، والأخوة الإنسانية، بإلغاء الفوارق، والأزياء، وخلع أسباب الظهور الاجتماعي، والظهور باللباس العبادي الموحّد (لباس الإحرام)؛ حيث يحسّ الجميع بوحدة النوع الإنساني وبالأخوة والمساواة.
وفي الحج يستشعر المسلمون وحدة الأرض، ووحدة البشر، ويمثلون عملية إسقاط الحدود التي صنعتها الأنانيات والأطماع البشرية الإقليمية، والقومية، والعنصرية.
والحج بما أنه تجمع بشري ضخم، يستقطب الملايين من المسلمين من مختلف الأقطار والأمصار؛ فهو يُنتج حركة بشرية هائلة؛ يتبعها تحرك اقتصادي ومالي ضخم; عن طريق النقل، والاستهلاك، وحمل البضائع، وتبادل النقود، وشراء الأضاحي والحاجيات ومستلزمات الحج والإقامة والسفر; فينتفع العديد من المسلمين، ويشهد مجتمعهم حركة اقتصادية ومالية نشطة.
هـ- عودك الحميد باستقامة دائمة:
من علامات الحج المبرور أن يستقيم المسلم بعد حجه فليزم طاعة ربه، ويكون بعد الحج أحسن حالاً منه قبله؛ فإن ذلك من علامات قبول الطاعة، قال بعض السلف: "علامة بر الحج أن يزداد بعده خيرًا، ولا يعاود المعاصي بعد رجوعه"، وقال الحسن البصري رحمه الله: "الحج المبرور أن يرجع زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة".
وذلك لما في الحج من إعداد وتربية لسلوك الفرد ونوازعه؛ ففي الحج يتعوّد الحاج الصبر، وتحمّل المشاق، وحسن الخلق، من اللطف، والتواضع، واللِّين، وحسن المحادثة، والكرم، والتعاطف، والامتناع عن الكذب، والغيبة، والخصومة والتكبّر... إلخ.
وفيه يتعوّد الألفة، والتعارف عن طريق السفر والاختلاط، وتنمو لديه الروح الاجتماعية، وتتهذَّب ملكاته الأخلاقية، عن طريق هذه الممارسة التربوية، والتفاعل البشري الرائع، الذي يشهده في الحج، بأرقى درجات الالتزام، والاستقامة السلوكية.
وهكذا يعود الحاج كيوم ولدته أمه، ليبدأ صفحة جديدة في حياته، من النقاء والطهارة والصفاء.. إنه يحمل في نفسه طاقة هائلة، ليخطوَ خطوات النجاح في حياته مع ربه، ونفسه والناس.
وإليك أخي الحاج هذه المواقع المفيدة جدا تعلم الحج بطريقة أسهل، حتى تقوم بحجك على اكمل وجه:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[url=https://www.youtube.com/watch?v=sXGgeaRBFKM&feature=related ][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [/url]
أسأل الله أن يجعل حجك مبرورًا، وذنبك مغفورًا، وسعيك مشكورًا.
أرجو ممن قرا هذا الموضوع ، أن يدعو لي ولصاحب هذه الكلمات.