عودة من جديد...
"البنيوية من منظور جرجاني"
لقد أكد الدكتور عبد العزيز حمودة في كتابه "المرايا المقعرة" بأن العقل العربي يعيش ثقافة الشرخ بين الجذور الثقافية العربية و الثقافات الغربية ، ولهذا ينبغي الوقوف مليا على هذه الثقافة العربية و محاولة استجلائها ومعرفة الجانب المشرق فيها .
إنني في هذه الدراسة أحاول معرفة مواقع القوة في هذه الثقافة و النظريات النقدية التي تظهر من حين لآخر تحت مسميات غربية .
ونظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني خير دليل على صدق ما نقول في هذه المداخلة إنها هي البنيوية عند ذي سوسير لكن بريق هذه التسمية غطى على ذبول نظرية النظم عند الجرجاني ، ولذلك لابد من الوقوف على نماذج كثيرة ومتعددة في هذا المجال وغيره من المجالات الأخرى لغوية أو علمية.....
إن النظم في اللغة هو التأليف يقال : نظمت اللؤلؤ نظما ونظاما ، أي جمعته في السلك( لسان العرب).
و النظام أيضا ما نظمت فيه الشئ من خيط وغيره، وليس لأمرهم نظام أي ليسوا على هدى و استقامة، وهكذا نرى أن المعنى اللغوي المشترك للنظم هو ضم الشئ إلى الشئ ، وتنسيقه على نسق واحد كحبات اللؤلؤ المنتظمة.
و النظم عند عبد القاهر الجرجاني في كتابه دلائل الإعجاز يهتم فيها بالألفاظ المفردة من ناحية ، ثم الألفاظ بعد اندماجها في التركيب و التأليف من ناحية أخرى ، ولعل هذه الدراسة هي صلب الموضوع في الدراسات البنيوية الحديثة.
وبهذا فالنظم في نظر الجرجاني تعليق الكلم بعضها ببعض والبلاغة لا ترجع إلى فصاحة وبلاغة اللفظ و إنما إلى النظم و منهج الصياغة.
ومعنى ذلك هو أن الكلمة لا قيمة لها في ذاتها بل في علاقتها في تركيب لغوي ما ، وهو بذلك لا يحكم على اللفظة مستقلة بل ينتظرها لحين الدخول في سياق لغوي ما ، وهذا السياق هو الذي يحدث تناسق الدلالة ويبرز فيه المعنى على وجه يتقبله العقل و يرتضيه.
إن الألفاظ عند الجرجاني لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة ، ولا من حيث هي كلمات مفردة ، وأن الألفاظ تثبت لها الفضيلة و خلافها في ملاءمة معنى اللفظة للمعنى الذي يليها ، أو ما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ، ومما يؤكد ذلك أنك تعجب بكلمة في سياق معين و قد لا تعجبك هذه الكلمة نفسها في سياق آخر.
وكان لعبد القاهر الجرجاني فضل في توثيق الصلة بين الصياغة و المعنى ، وفي الاعتداد في ذلك بالألفاظ من حيث دلالتها و موقعها ، مجازية كانت أم حقيقية وبيان تأثيرها في تأليف الصورة الأدبية.
وهذا ما نراه عند البنيوية عندما تربط بين المعطى الداخلي للألفاظ و الحمولة الخارجية التي تحملها فلكل دال مدلول ، إن الكلمة لا تفهم في معزل عن السياق الذي سيقت فيه ، فأي كلمة تفهم حسب السياق الدلالي وليس حسب السياق المعجمي .
إن الكلمة عند الجرجاني لا يمكن الحكم عليها بالجودة أو الرداءة وهي معزولة أو منفردة ، و أن لكل كلمة استخداما حسنا وآخر سيئا.
و الحقيقة أن عبد القاهر الجرجاني اهتدى إلى البنيوية بمفهومها المعاصر قبل أن يهتدي إليها أي عالم و نظرية النظم عنده تشهد له بعبقرية لغوية منقطعة النظير.
غير أن هذا المنهج لم يفهم بالشكل الصحيح و لم يستغل بالشكل المطلوب بل طغى منهج البديع و الصنعة عند السكاكي ومن تلاه على منهج النظم عند الجرجاني وكانت في ذلك محنة الأدب العربي.
إن تقاعس اللغويين و اهتمامهم بالصنعة أدى إلى ضياع كل هذه المجهودات التي قام بها عبد القاهر الجرجاني ، وبالتالي ضاعت معها إمكانية إنتاج نظرية لغوية عربية .
إن إنتاج نظرية لغوية عربية يحتاج إلى تضافر الجهود ، واستثمار ما أنتجه العقل العربي عبر العصور ، مع استحداث تغييرات و تعديلات مستمرة على هذه الآراء و الأفكار التي أنتجها العقل العربي .
و إذا عدنا إلى الثقافة الغربية نجد أن نظريات ذي سوسير كانت عبارة عن محاضرات(دروس في علم اللغة العام) لم تصل إلى مرحلة التنظير و استخلاص النظرية لكن مع توالي الدراسات و تعميق النظر فيها من طرف تلاميذه أصبحت هناك نظريات في اللغة. خرجت من عباءة نظرية ذي سوسير التي تطورت فيما بعد وأسست علما قائما بذاته سمي بعلم اللغة.
إن اللغة عند ذي سوسير هي نفسها عند الجرجاني" فاللغة نظام من العلامات ، ولا تعد الأصوات إلا عندما تعبر عن الأفكار أو تنقلها و إلا فهي مجرد أصوات"
و اللغة نظام من العلامات و العلامة تتكون من شكل سماه الدال ومعنى فكري سماه المدلول ، و لايمكن الفصل بين الدال و المدلول، إن الفصل بينهما يكون من أجل الدراسة فقط أما من حيث الواقع فهما متحدان .
هذه هي نفسها نظرية النظم عند الجرجاني إن الكلمة لا تفهم بعيدة عن سياقها إنها منظومة متكاملة مترابطة فالكلمة في جملة ما لها دلالات متعددة في ذهن المستمع فلا يمكن الرجوع لفهمها إلى القاموس و إنما ينبغي فهمها حسب السياق الذي جاءت فيه أي حسب موقعها في الجملة.
"البنيوية من منظور جرجاني"
لقد أكد الدكتور عبد العزيز حمودة في كتابه "المرايا المقعرة" بأن العقل العربي يعيش ثقافة الشرخ بين الجذور الثقافية العربية و الثقافات الغربية ، ولهذا ينبغي الوقوف مليا على هذه الثقافة العربية و محاولة استجلائها ومعرفة الجانب المشرق فيها .
إنني في هذه الدراسة أحاول معرفة مواقع القوة في هذه الثقافة و النظريات النقدية التي تظهر من حين لآخر تحت مسميات غربية .
ونظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني خير دليل على صدق ما نقول في هذه المداخلة إنها هي البنيوية عند ذي سوسير لكن بريق هذه التسمية غطى على ذبول نظرية النظم عند الجرجاني ، ولذلك لابد من الوقوف على نماذج كثيرة ومتعددة في هذا المجال وغيره من المجالات الأخرى لغوية أو علمية.....
إن النظم في اللغة هو التأليف يقال : نظمت اللؤلؤ نظما ونظاما ، أي جمعته في السلك( لسان العرب).
و النظام أيضا ما نظمت فيه الشئ من خيط وغيره، وليس لأمرهم نظام أي ليسوا على هدى و استقامة، وهكذا نرى أن المعنى اللغوي المشترك للنظم هو ضم الشئ إلى الشئ ، وتنسيقه على نسق واحد كحبات اللؤلؤ المنتظمة.
و النظم عند عبد القاهر الجرجاني في كتابه دلائل الإعجاز يهتم فيها بالألفاظ المفردة من ناحية ، ثم الألفاظ بعد اندماجها في التركيب و التأليف من ناحية أخرى ، ولعل هذه الدراسة هي صلب الموضوع في الدراسات البنيوية الحديثة.
وبهذا فالنظم في نظر الجرجاني تعليق الكلم بعضها ببعض والبلاغة لا ترجع إلى فصاحة وبلاغة اللفظ و إنما إلى النظم و منهج الصياغة.
ومعنى ذلك هو أن الكلمة لا قيمة لها في ذاتها بل في علاقتها في تركيب لغوي ما ، وهو بذلك لا يحكم على اللفظة مستقلة بل ينتظرها لحين الدخول في سياق لغوي ما ، وهذا السياق هو الذي يحدث تناسق الدلالة ويبرز فيه المعنى على وجه يتقبله العقل و يرتضيه.
إن الألفاظ عند الجرجاني لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة ، ولا من حيث هي كلمات مفردة ، وأن الألفاظ تثبت لها الفضيلة و خلافها في ملاءمة معنى اللفظة للمعنى الذي يليها ، أو ما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ، ومما يؤكد ذلك أنك تعجب بكلمة في سياق معين و قد لا تعجبك هذه الكلمة نفسها في سياق آخر.
وكان لعبد القاهر الجرجاني فضل في توثيق الصلة بين الصياغة و المعنى ، وفي الاعتداد في ذلك بالألفاظ من حيث دلالتها و موقعها ، مجازية كانت أم حقيقية وبيان تأثيرها في تأليف الصورة الأدبية.
وهذا ما نراه عند البنيوية عندما تربط بين المعطى الداخلي للألفاظ و الحمولة الخارجية التي تحملها فلكل دال مدلول ، إن الكلمة لا تفهم في معزل عن السياق الذي سيقت فيه ، فأي كلمة تفهم حسب السياق الدلالي وليس حسب السياق المعجمي .
إن الكلمة عند الجرجاني لا يمكن الحكم عليها بالجودة أو الرداءة وهي معزولة أو منفردة ، و أن لكل كلمة استخداما حسنا وآخر سيئا.
و الحقيقة أن عبد القاهر الجرجاني اهتدى إلى البنيوية بمفهومها المعاصر قبل أن يهتدي إليها أي عالم و نظرية النظم عنده تشهد له بعبقرية لغوية منقطعة النظير.
غير أن هذا المنهج لم يفهم بالشكل الصحيح و لم يستغل بالشكل المطلوب بل طغى منهج البديع و الصنعة عند السكاكي ومن تلاه على منهج النظم عند الجرجاني وكانت في ذلك محنة الأدب العربي.
إن تقاعس اللغويين و اهتمامهم بالصنعة أدى إلى ضياع كل هذه المجهودات التي قام بها عبد القاهر الجرجاني ، وبالتالي ضاعت معها إمكانية إنتاج نظرية لغوية عربية .
إن إنتاج نظرية لغوية عربية يحتاج إلى تضافر الجهود ، واستثمار ما أنتجه العقل العربي عبر العصور ، مع استحداث تغييرات و تعديلات مستمرة على هذه الآراء و الأفكار التي أنتجها العقل العربي .
و إذا عدنا إلى الثقافة الغربية نجد أن نظريات ذي سوسير كانت عبارة عن محاضرات(دروس في علم اللغة العام) لم تصل إلى مرحلة التنظير و استخلاص النظرية لكن مع توالي الدراسات و تعميق النظر فيها من طرف تلاميذه أصبحت هناك نظريات في اللغة. خرجت من عباءة نظرية ذي سوسير التي تطورت فيما بعد وأسست علما قائما بذاته سمي بعلم اللغة.
إن اللغة عند ذي سوسير هي نفسها عند الجرجاني" فاللغة نظام من العلامات ، ولا تعد الأصوات إلا عندما تعبر عن الأفكار أو تنقلها و إلا فهي مجرد أصوات"
و اللغة نظام من العلامات و العلامة تتكون من شكل سماه الدال ومعنى فكري سماه المدلول ، و لايمكن الفصل بين الدال و المدلول، إن الفصل بينهما يكون من أجل الدراسة فقط أما من حيث الواقع فهما متحدان .
هذه هي نفسها نظرية النظم عند الجرجاني إن الكلمة لا تفهم بعيدة عن سياقها إنها منظومة متكاملة مترابطة فالكلمة في جملة ما لها دلالات متعددة في ذهن المستمع فلا يمكن الرجوع لفهمها إلى القاموس و إنما ينبغي فهمها حسب السياق الذي جاءت فيه أي حسب موقعها في الجملة.