يقول عنه أحد الإخوة شهادة لله : ذات مساء طيب، في تسعينيات القرن العشرين، أثناء عملي في السعودية، أذن علينا المغرب في طريقنا في رحلة العمرة من المدينة إلى مكة، فإنزوينا إلى أحد المساجد، لنصلي المغرب. ودخلت إلى الصف، وهالني صوت الإمام الرائع الذي بعث في نفسي الطمأنينة والخشوع وهو يقرأ سورة الضحى، حتى انهمرت دموعي من حلاوة التلاوة. وبعد أن انتهى الإمام من الصلاة، التفتت إليه، فألجمتني المفاجأة، ووقفت متعجباً مما أراه امامي لقد كان ذاك الإمام رئيس وزراء تركيا الحالي رجب طيب اوردوغان.
* * * * * * * * * * *
ولد رجب طيب أوردوغان في 26 فبراير من عام 1954 في حي قاسم باشا أفقر أحياء اسطنبول، لأسرة فقيرة من أصول قوقازية (وهنا لا ننسى الشعب الشيشاني والأبخازي المنسي ولا ننسى الأبطال والشهداء كجوهر دوداياف وأسلان ماسخادوف وشامل باسياف وغيرهم من النجوم المضيئة في ساحات الجهاد والشرف في هذا الزمن ).تلقى رجب تعليمه الابتدائي في مدرسة الحي الشعبي مع أبناء حارته، أمضى حياته خارج المدرسة يبيع البطيخ و كيك السمسم الذي يسميه الأتراك سميط، حتى يسد رمقه ورمق عائلته الفقيرة. انتقل بعد ذلك إلى مدرسة الإمام خطيب الدينية حتى تخرج من الثانوية بتفوق. وإلتحق بعد ذلك بكلية الاقتصاد في جامعة مرمرة.وبالرغم من اهتماماته المبكرة بالسياسة، إلا أن كرة القدم كانت تجري في دمه أيضا، ويكفي بأن نعلم أنه أمضى 10 سنوات لاعبا في عدة أندية مشهورة !
زواجه من المناضلة
يقول الكاتب التركي جالموق في كتابه الذي ألفه عن أردوغان : بدأت قصة زواجه من رؤيا رأتها أمينة المناضلة الإسلامية في حزب السلامة الوطنية، رأت فارس أحلامها يقف خطيبا أمام الناس، وبعد يوم واحد ذهبت بصحبة الكاتبة الإسلامية الأخرى شعلة يوكسلشلنر إلى اجتماع الحزب وإذ بها ترى الرجل الذي رأته في منامها .. رأت أوردغان ..، وتزوجوا بعد ذلك واستمرت الحياة بينهما حتى وصوله لسدة الحكم مشكلين ثنائيا رائعا، وقد اثمر زواجهما عن عدد من الأولاد، أحد الأولاد الذكور سُمي "نجم الدين" على اسم استاذه نجم الدين أربكان من فرط اعجابه وإحترامه لإستاذه، وإحدى بناته تدرس في أمريكا لعدم السماح لها بالدراسة في الجامعة بحجابها !
صورة تجمع أوردوغان بافراد عائلته
أردوغان في السياسة
بدأ اهتمامه بالسياسة منذ العام 1969 وهو ذو 15 عاما، إلا أن بدايته الفعلية كانت من خلال قيادته الجناح الشبابي المحلي لحزب ما عرف ب الخلاص الوطني الذي أسسه نجم الدين أربكان، ثم أغلقت مكاتب الحزب في تركيا عام 1980 جراء انقلاب عسكري. انضم بعدها إلى حزب الرفاه عام 1984 كرئيس لفرعها الجديد ببلدة بايوغلو مسقط رأسه، وهي إحدى البلدات الفقيرة في الجزء الأوربي في اسطنبول، وما لبث أن سطع نجمه حتى أصبح رئيس فرعها في اسطنبول عام 1985، وبعدها بعام فقط أصبح عضوا في اللجنة المركزية للحزب.
رئيس بلدية اسطنبول
انتشل أوردوغان بلدية اسطنبول من ديونها التي بلغت ملياري دولار إلى أرباح واستثمارات وبنمو بلغ 7%، وكل هذا بسبب نظافة يده وعبقريته النادرة وقربه من الناس لا سيما العمال ورفع أجورهم ورعايتهم صحيا واجتماعيا، وقد شهد له خصومه قبل أعدائه بنزاهته وأمانته ورفضه الصارم لكل المغريات المادية من الشركات الغربية التي كانت تأتيه على شكل عمولات كحال سابقيه !
بعد توليه مقاليد البلدية خطب في الجموع وكان مما قال "لا يمكن أبدا أن تكونَ علمانياً ومسلماً في آنٍ واحد، إنهم دائما يحذرون ويقولون إن العلمانية في خطر .. وأنا أقول: نعم إنها في خطر. إذا أرادت هذه الأمة معاداة العلمانية فلن يستطيع أحدٌ منعها. إن أمة الإسلام تنتظر بزوغ الأمة التركية المسلمة .. وذاك سيتحقق ! إن التمردَ ضد العلمانية سيبدأ". ولقد سئل عن سر هذا النجاح الباهر والسريع فقال "لدينا سلاح أنتم لا تعرفونه، إنه الإيمان، لدينا الأخلاق الإسلامية التي تربينا عليها من سيرة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم".
رجب طيب أردوغان في السجن
للنجاح أعداء، وللجرأة ضريبة، فقد كان الخصوم يزرعون الشوك في طريقة، حتى رفع ضده المدعي العام دعوى تقول بأنه أجج التفرقة الدينية في تركيا، وقامت الدعوى بعد إلقاءه شعرا في خطاب جماهيري وهو مميز في الإلقاء من ديوان الشاعر التركي الإسلامي ضياء كوكالب، حيث قال:
مساجدنا ثكناتنا
قبابنا خوذاتنا
مآذننا حرابنا
والمصلون جنودنا
هذا الجيش المقدس يحرس ديننا
فأصدرت المحكمة حكماً بسجنه 4 أشهر، وفي الطريق إلى السجن توافدت الحشود إلى بيته المتواضع، من أجل توديعه وأداء صلاة الجمعة معه في مسجد الفاتح، وبعد الصلاة توجه إلى السجن برفقة 500 سيارة من الأنصار ! وفي تلك الأثناء، وهو يهم بدخول السجن خطب خطبته الشهيرة التي حفرت في القلوب. إلتفت إلى الجماهير قائلا "وداعاً أيها الأحباب، تهاني القلبية لأهالي اسطنبول وللشعب التركي وللعالم الإسلامي بعيد الأضحى المبارك، سأقضي وقتي خلال هذه الشهور في دراسة المشاريع التي توصل بلدي إلى أعوام الألفية الثالثة، والتي ستكون إن شاء الله أعواماً جميلة، سأعمل بجد داخل السجن وأنتم اعملوا خارج السجن كل ما تستطيعونه، ابذلوا جهودكم لتكونوا معماريين جيدين وأطباء جيدين وحقوقيين متميزين، أنا ذاهب لتأدية واجبي واذهبوا أنتم أيضاً لتأدوا واجبكم، أستودعكم الله وأرجو أن تسامحوني، وتدعوا لي بالصبر والثبات كما أرجو أن لا يصدر منكم أي احتجاج أمام مراكز الأحزاب الأخرى، وأن تمروا عليها بوقار وهدوء، وبدل أصوات الاحتجاج وصيحات الاستنكار المعبرة عن ألمكم، أظهروا رغبتكم في صناديق الاقتراع القادمة".
أيضا في تلك الأثناء كانت كوسوفا تعاني، وبطبيعة الحال لم يكن لينسى ذلك رجب الذي كان قلبه ينبض بروح الإسلام على الدوام، فقال "أتمنى لهم العودة إلى مساكنهم مطمئنين في جو من السلام، وأن يقضوا عيدهم في سلام، كما أتمنى للطيارين الأتراك الشباب الذين يشاركون في القصف ضد الظلم الصربي أن يعودوا سالمين إلى وطنهم"